Monday, January 3, 2011

الحكومة العراقية .. بين الذكورية والمراوغة

الحكومة العراقية .. بين الذكورية والمراوغة

عواطف تركي رشيد

رغم أن علماء الأجتماع ومن يتبعهم يميلون الى القاء  اللوم  على الذكورية كسبب رئيسي لاختلال التوازن في العلاقات الجندرية ( بين المرأة والرجل) خصوصا في مجتمعاتنا الشرقية الأسلامية  , ألا أن هيمنة رجال الدين على قوة صنع القرار في الدول الأسلامية وانتهاكاتهم لحقوق المرأة وتغاضيهم عن معاناتها تقودنا الى نبتعد قليلا عن استخدام مصطلح الذكورية على قدر تعلق الموضوع ب ( عنف الحكومة أو  الدولة ) وهو الصنف  الذي يلائم أي تحليل لمواقف الحكومة العراقية تجاه المرأة وقضاياها ومشاركتها  السياسية.

عنف الحكومة ضد النساء مارسته الحكومات الديكتاتورية , وأقربها لنا في منظور الخطاب السياسي هي حكومة صدام حسين والحكومة العراقية الحالية بنفس المستوى من انعدام المهنية وغياب الخطاب الديبلوماسي ولا أخلاقية الرجل العراقي السياسي . فالنساء في كلا الحالتين لسن سوى دمى تتحرك على مسرح الديكتاتوريات السياسية التي تحركها العقليات القبلية والنزعات النفسية الأجرامية. ففي زمن صدام حسين كانت المنظمة النسوية الوحيدة المرخصة لممارسة نشاطها هي الأتحاد العام لنساء العراق الذي تحول الى مؤسسة بيروقراطية لخدمة نظامه وأجندته السياسية متغاضية عن الأنتهاكات التي ارتكبها نظامه ضد النساء وسياساته العشوائية وغير المدروسة التي تركت ملايين النساء يرزحن تحت حالات الفقر والخوف والترهيب والأستغلال والتهميش والأعدام أضافة  الى ضحايا الأغتصابات والأستغلال والأبتزاز. وهذا مانراه الان على صعيد السياسة وأخلاق السياسيين ومراوغاتهم وتمويههم أمام المجتمع العراقي والدولي. [1]
وللتذكير فقط .. فأن صدام حسين كان يرسم خططه الداخلية وحتى الخارجية باسم الأسلام , كما أنه كان قائدا للحملة الأيمانية الأسلامية , وهو أول من كتب القران بدمه , وأول من خطط لبناء أكبر جامع في العالم . وهذا بالضبط ما تفعله الحكومة العراقية الحالية التي تعلقت بالدستور الأسلامي وخلقت ضجة أعلامية كبيرة حول تبنيه رغم أنها لم تعلم علم اليقين أن ما تحتويه أجندات الأحزاب الأسلامية ليس أسلاميا وأن استخدام كلمة " اسلامية " هو مجرد استنفار لكسب أصوات المسلمين في العراق أو في غيره من الدول التي تدعي الأسلام منهجا لها.  
  وهناك أمثلة أخرى لعنف  الدولة ضد النساء باسم الأسلام , وعلى سبيل المثال وليس الحصر,  ماتقوم به الحكومات في أيران والسعودية وأفغانستان. وهذا ما يوضح سبب استنكار المجتمع الدولي للدين الأسلامي وعدم تصديق نظرية أن الدين الأسلامي انما هو دين سماحة وأخلاق . السبب في هذه النظرة الى الدين الأسلامي أنما سببه  الحكومات  الأسلامية ومن يتبعهم  من الجهلة من  أبناء شعوبهم مؤيدين لحكوماتهم دونما النظر الى ممارساتها .
 وكما حدث في أيران , فأن  الحكومة العراقية , بكل هذه الشوارب والعضلات المفتولة , صعدت الى مراكزها باسم النساء وعلى ظهر معاناتهن وتضحياتهن, لكنها سحبت البساط من تحت أقدامهن حين وصلت الى مركز  القوة ! وكما فعل الخميني في أيران في عام 1979 حين قاد الثورة الأسلامية في أيران و الذي نكث[2] بوعوده للنساء بالحصول على حقوقهن , والذي كان أول من استحدث شرطة نسائية تنتهك حقوق النساء[3] وبأيدي نسائية  حيث صارت في زمنه  ممارسة قتل النساء رجما بالحجارة ممارسة  طبيعية وقانونية , فأن الحكومة العراقية الحالية ( الأسلامية بين قوسين ) نكثت بوعودها للنساء العراقيات وكانت أول من انقض على قانون الأحوال الشخصية [4] في عام 2003 حين كان المجلس الأعلى للثورة الأسلامية في مركز القيادة الأعلى في الدولة ممثلا بشخص السيد عبد العزيز الحكيم.
الحكومة العراقية الحالية ممثلة بحزب الدعوة الأسلامية وبشخص السيد نوري المالكي رئيس الوزراء [5] تلعب بنفس الطريقة ا لمراوغة مع النساء العراقيات . وكلنا يعلم أن المراوغة والألتفاف على الحقائق أنما هما الجزء الأكبر من شخصية صدام حسين الذي وضع النساء كديكورات مكملة لنظام حكمه , وكضحايا لعقليته الأجرامية , لكنه لم يحترم حقوقهن ولم يمنحهن الفرصة لاتخاذ القرار فيما يتعلق بعلاقة الدولة بالمرأة وعلاقة الدولة بالمجتمع والتنمية الأجتماعية والأقتصادية . وهاهو النظام القمعي الحالي يمارس نفس ممارسات صدام وبطريقة مشابهة لها وكأنما الحكومة العراقية تحاول أن تفرض على العراق نموذج الديكتاتورية وانعدام  الغيرة كي يكونا منهجا طويل الأمد في التخطيط الستراتيجي لشكل الحكومات في العراق.

أن المشاركة السياسية للنساء  العراقيات بعد التغيير السياسي في عام 2003, رغم نسبة الكوتا , بقيت محصورة ضمن أطار ديكتاتورية الحزب السياسي للأحزاب الحاكمة وضمن عملية تحجيم للبرلمانيات العراقيات كي ( ينفذن ) ما تمليه أجندة أحزابهن متخبطات بين النظرية الأجتماعية – السياسية لمشاركة المرأة ممثلة لأكثر من نصف المجتمع العراقي , وبين مصالح الأحزاب السياسية المشاركة في العملية السياسية .  

عنف الدولة العراقية الحالية ضد المرأة تتوضح مؤشراته فيما يلي:

أولا – المراوغة مع القيادات النسائية واستخدامها كأداة لكسب أصوات نصف أصوات الناخبين[6] في الأنتخابات لصالح حزب معين كي يصل الى السلطة ومنح الوعود الكاذبة لهذه القيادات بأمل تحسين الأوضاع الأمنية التي تمس حياة النساء بصورة مباشرة ثم سحب البساط من تحت أقدامهن وتكميم أفواههن[7] بعد تحقيق الفوز في الأنتخابات كما حدث في تجربة الثورة الأسلامية في ايران.  

ثانيا – تسليح الميليشيات وتحويل المجتمع الى مجتمع عسكراتي  عن طريق تشغيل العاطلين عن العمل في وظائف القمع والقتل[8] والوظائف البوليسية التي تحمي الأجندة الأيرانية في  العراق و التي تتدخل في النسيج الأجتماعي للمجتمع العراقي

ثالثا – اتباع الأمثلة الفاشلة في علاقة الدولة بالمرأة مثل المثل الأيراني حيث , كما يعلم الجميع , لازالت  المرأة الأيرانية تكافح من أجل استرداد حقوقها منذ سقوط دولة الشاه في عام 1979 ولحد الان و حيث ظهرت الكثير من الممارسات الأجرامية للدولة ضد النساء مثل الرمي بالحجارة[9] والشرطة النسائية الموجهة لقمع النساء .

رابعا – استلاب المراكز القيادية للرجال فقط , مهما ضحلت مستويات تعليمهم[10] وخلفيات الطبقة الأجتماعية  التي ينتمون لها , وتحجيم النساء في المواقع الخدمية فقط والتي لا تتعدى السقف الزجاجي التي تفرضه الحكومة كي يفصل بين النساء والرجال .

خامسا – أخفاء رجال الحكومة لرؤوسهم مثل  النعامات في الرمل ظنا منهم أن العالم لايستطيع أن يرى أجزاء أجسامهم المكشوفة أمام المجتمع الدولي , تنصلا من مسؤولياتهم الأخلاقية أمام  النساء اللواتي وقفن معهم في معركة الدفاع عن حقوق الأنسان .

سادسا – التغاضي والتغافل عن الجرائم المرتكبة ضد النساء بأيدي ميليشياتهم ورجال أحزابهم .. وفي أحيان أخرى , المساهمة في مضاعفة الوزر الواقع على النساء بمساندة مرتكبي جرائم العنف الأجتماعي والجنسي ضد النساء ضد ضحاياه من النساء.

في حديثه الذي أذاعته كل محطات العالم في ليلة الحرب على العراق في عام 2003 , قال جورج بوش : "الان بدأت الحرب على صدام حسين من أجل نساء العراق " ! وحين وصل من وصل الى مركز صنع القرار في العراق بمساندة الجيش  الأمريكي , أصبحت المرأة أول ضحية داستها أقدام المحررين الأشاوس . فماذا ننتظر كي نعرف أن الحكومة العراقية ليست فقط حكومة ذكورية .. بل هي أيضا حكومة مراوغة , تتبع ستراتيجية  الحيلة والضحك على الذقون؟ وهل سنتوقع منها أن تتبع ستراتيجية فعالة للتنمية  الأجتماعية في العراق؟ وهل سنتوقع منها أن تعكس وجهة نظر صحيحة عن الأسلام كدين حق وأخلاق؟
لا نلوم المجتمع الدولي على انتقاداته للدستور الأسلامي في العراق بعدما رأوه من مواقف الحكومة التي تبنت هذا الدستور  . فكل ما نتج عن هذا الدستور, انما هو انتهاكات صارخة لحقوق المرأة وخطاب لا أخلاقي ضدها. ولايمكن بأية حال أن نصف الحكومة  العراقية بأنها ذكورية فقط , بل هي حكومة مراوغة ويجب أن يحاسبها المجتمع الدولي على العنف الذي تمارسه ضد النساء.