من سورة مريم – القران الكريم
وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا (16) فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجَابًا فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا(17) قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا (18) قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا (19) قَالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا (20) قَالَ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِنَّا وَكَانَ أَمْرًا مَقْضِيًّا (21) فَحَمَلَتْهُ فَانْتَبَذَتْ بِهِ مَكَانًا قَصِيًّا (22) فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنْتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا (23) فَنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا (24) وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا (25) فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا (26) فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا (27) يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا (28) فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا (29) قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا (30) وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَمَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا (31) وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا (32)وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا (33) ذَلِكَ عِيسَى بْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ (34) مَا كَانَ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ سُبْحَانَهُ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (35) وَإِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ (36)
سلاما ً لعينيك سيدتي مريم العذراء ..
وتراتيل محبة وخشوع في حضرتك الأبدية
خجلة ً أنا مما فعله ويفعله ُ أبناء ديني بأبناءك وبناتك .. وعاجزة ٌ عن كتابة ِ رسالتي لك ِ, رغم َ أني كتبت ُ رسالتي الأولى لك ِ حينما كنت لا زلت طالبة على مقاعد الدراسة الأعدادية , ودخلت ُ كنيستك كي أنعم بالسكينة والسلام منذ أن كنت ُ طالبة في ألدراسة الأبتدائية. وخاطبتك ِ حين حاصرتني قوى الأسايش في السليمانية أن أخرجي من هذا البلد الذي لايسع عربية مع أطفالها .. وركلتني قوى المخابرات في سورية العربية أن أرجعي من حيث أتيت فسوريا لا يدخلها ألا من يوقع على صكوك التعاون مع حكومتها. خاطبتك سيدتي ورجوتك أن تقفي معي وأن تسيري معي عبر الحدود , حين كان الخلاص أمرا ً مستحيلا ً, كي تخلصيني وأطفالي بعد أن حاربني الرجال بعدتهم وعددهم واسايشهم وقواتهم الأمنية الصدامية وأسلحتهم الفتاكة , حين كنت لا أحمل معي سوى حصيلة عمري التي هي ثلاثة أطفال.
أعرف ُ أن قلوبهم لا تسع الرحمة .. وأن أديانهم ليست ألا براقع يحتمون تحتها , وأن مبادئهم الثورية ليست أطهرَ من بالوعة ٍ يمكن أن يتصورها الأنسان , لكنني أعرف ُ أيضا ً أنك سيدة الخلاص التي رافقت محنتي منذ طفولتي وحتى اليوم , ليس لأنني امرأة تؤمن بالدين , بل لأنني امرأة تؤمن بك كامرأة , وكنور ينشر المحبة والسكينة , وكقوة قد يكون الله أو الرب أو قوة خفية أخرى خلفها.
سيدتي
لقد فقدت ُ أيماني بالأديان حين اكتشفت ُ أنها ليست ألا منظمات تطلبتها الحالة قبل الاف السنوات وأن الأنبياء قادة في مجتمعاتهم التي كانت بحاجة الى قيادة مع تطورها ومع التعقيد الأجتماعي والسياسي والأقتصادي الذي قاد تلك المجتمعات الى التفكك والضعف وازدياد حاجتها الى التحديث حسب متطلبات أزمنتها ومراحلها. فقدت أيماني بالأديان حين قرأتك في القران وفي الأنجيل وأدركت تشابه خطابهما بخصوص قصتك , فكلاهما يؤكدان على قدسيتك التي أرادها لك الله لأنك كنت الضحية التي حملت منه طفلا .. أصبح نبيا! يؤسفني أن قداستك جاءت عن طريق رغبة الله بك كأنثى ! لكنني .. ومع فقداني لعلاقتي بالدين , أزداد علاقة بك يوما بعد يوم .. لأنك كنت ضحية هذه الرغبة الجنسية التي تترك ملايين الضحايا وراءها . فديننا يا سيدتي يقوده رجال يحاربون بأدواتهم الجنسية , يقهرون النساء ويقتلونهن ويمتهنون أنسانيتهن بأدواتهم الجنسية التي يعتزون بها كاعتزازهم بشرفهم النبيل الذي تتحمل وزره – وياللفاجعة – نساءهم!
أخاطبك سيدتي , لأنك نور الخلاص الذي سيخلص العراق بمسيحييه ومسلميه و بصابئته ويهوده وملحديه من النزيف اليومي لدمائهم وحقوقهم كبشر وكرامة عراقهم .. أخاطبك لأنك أنت نور السماوات في الأرض .. وأنت قوارير المحبة التي تمنحنا الدفء والسلام .. وأنت التي يلجأ لك المسلم والمسيحي حين تضيق السبل بنا الى النجاة.
لقد خاطبك المسيحيون كثيرا , وبكوا عند قدميك في حضرة قدسيتك ونورك الأخاذ ورعب صدمتك حين رأيت ابناءك يغرقون بالدم والرعب والظلام والعويل وأصوات الطلقات النارية والمتفجرات. لكني اليوم أخاطبك كعراقية , وُلِدت فوجدت نفسها مسلمة . عراقية كانت تصلي في كنائسك صلاة الأسلام , وماكان يعنيها أن كان عمربن الخطاب أو علي بن أبي طالب قد انزعجا.. وماكانت لتفكر بهما أساسا , لأنها كانت تصلي صلاتها وتؤدي واجباتها الدينية في بيت كاد أن يتحول الى مسجد من كثرة الصلاة والصيام وكل الفروض الأسلامية .
سيدتي
أؤكد لك أن الكثير من صديقاتي كن ّ مسيحيات وصابئيات , لكن أمي لم تأنف من أطعامهن ولم تمنعني من أن اتناول طعامي في بيوتهن , وعلى العكس من هذا , فأن أمي قد فاجئتني بحبها لك , وهي الشيعية المتدينة حتى القرار. في الثمانينات من القرن المنصرم , اختفى أخي الطالب في كلية الهندسة بتهمة انتماءه الى حزب الدعوة ( بالمناسبة , أنا لا أحترم هذا الحزب ولا أي حزب ديني اخر مهما كانت الطائفة التي يمثلها ) . توسدت أمي الألم لمدة عام كامل , أعيانا البحث خلالها عن أي أثر لابنها.. وتخلى عنا الأصدقاء والأقارب لأن عائلتنا أصبحت عارا على النظام الصدامي , حسب التعليمات والمناخ العام .. ولم يكن لأمي أي ملجأ سوى صفاء روحك وأنت الأم التي رأت صلب ابنها أمام عينها حتى تحولت دموعها الى جداول دم تحفر خديها.
سيدتي
أنا كنت أزور كنيستك بين حين واخر , لأنني أحبك وأؤمن أن روحك المسالمة تمنحني الطمأنينة والسلام.. ولذا فقد قررت زيارة الكنيسة حين سمعنا أول خبر عن أخي الذي اكتشفنا أنه كان يقبع في السجن تحت سياط التعذيب وكهرباء قتل الروح الأنسانية ودرنفيسات الخراب والعهر القبلي الذي حل على العراق حينها.
المفاجأة لم تكن في قراري لزيارة الكنيسة , بل بما فعلته أمي التي بعثت معي بنذرها الذي نذرت أن ترسله الى الكنيسة حين تسمع خبرا عن ابنها! حينها أدركت ُ أن الدين في العراق ليس حالة عدوانية , بل هو مجموعة من المتداخلات الفكرية والروحية التي تنتهي دائما عند الله .. أو الرب !
سيدتي
اليوم أقف في حضرتك , ليس لأذكرك بحبي لك وأيماني بالقوة السحرية التي تمتلكينها لمنح العالم نورا وسلاما ومحبة .. بل لأنني احتاجك فعلا , وكما احتجتك سابقا كفرد وامرأة تسعى الى سلام روحها وخلاصها , أحتاجك اليوم أن تخلصي الشعب العراقي والعراق من الالام والعذابات التي فاقت صلب المسيح وثورة الحسين وكل الحروب الأسلامية والصليبية وهجمات المغول ودعارة الجيوش في أرضنا المقدسة و استهتار الميليشيات بأرواح شعبنا المغلوب على أمره.
أقف اليوم , وباسم كل ضحايا الأستهتار بأرواحنا وبأنسانيتنا لأننا المغلوبين على أمرهم , وأرفع وجهي المسحوق بالألم والخجل , وعيني ّ اللتين تشبهان عينيك حين بكيت صلب ابنك يسوع المسيح , وأدعوك ِ أن تخلصي العراق وأهله من عصابات السياسة الدينية وأن تكوني ولو لمرة واحدة في حياتك .. غاضبة وهادرة بالعنفوان من أجل هذا الخلاص.
خلصينا ليس لأننا شعب كفر بكل المقدسات من أجل البقاء , بل لأننا شعب لا يضع حدودا قاهرة بين الكنيسة والجامع والمنداي , ولأن موائدنا تطعم الجميع , ولأن محبتنا تضفي بنورها على الجميع , ولأننا كمسلمين ضحية لعبة سياسية قذرة تحط من قدر الجميع وتستهين بدماءهم مهما كان نوع الدين الذي يؤمنون به.
سيدتي
سأشعل الشموع في كنيستك اليوم , وليس مهما أية كنيسة سأدخلها , لكنني سأطرق أول باب كنيسة أراه في طريقي بحثا عن قوة خارقة تنقذ العراق , وسأطلب من الجميع أن يصلوا , ليس فقط من أجل ابناءك في كنيسة النجاة , بل من أجل الشيعة والسنة ضحايا الحرب الطائفية , والمندائيين من ضحايا التمييز الديني – السياسي ضدهم , ومن أجل كل القوميات الجميلة التي خربت نفوسها الحرب القومانية والجشع السياسي.
سأقف اليوم في محرابك , ليس لأنني امرأة متدينة منغلقة عن العالم ضمن فتاوى وتفسيرات رجال الدين , بل لأنني امرأة عراقية تنتظر نجاة شعبها من هذا الاتون القاهر الذي يحرق الأنسان والمحبة والانصهار ضمن بوتقة العراق.
خلصينا .. يا سيدة الخلاص , وقفي معنا في محنتنا في وجه البنادق والمتفجرات التي استباحت دماءنا , في وجه الكائنات القبيحة التي تخطط لخراب أرضنا وأرواحنا , وابعثي من نورك اشراقات محبة وطمأنينة وسلام لأرواح العراقيين المكبلين بقيود الأرض والوطن . خلصي هذا الوطن المستباح ببرنامج أحال القيم الرفيعة الى مزابل يلقي فيها القادة السياسيون والجماعات المتشددة قمامتهم . ارفعي وجهك الى السماء مرة أخرى وهزي بجذع النخلةالعراقية .. علها تساقط سلاما ومحبة.
No comments:
Post a Comment