مثلما يوم القيامة .. كان الحصار الأقتصادي يغرس أنيابه البشعة في عيون النساء العراقيات وأرواحهن .. ويحفر أخاديد في قلوبهن من الوجع والألم والحيرة والتشظي .. ويكتب معالم مرحلة تاريخية وثقت الموت القسري والجوع الأجباري والترمل والضياع واللهاث وراء أبسط حقوقهن الأنسانية .
سنوات القحط تلك .. تركت خلفها دماراَ أجتماعيا لايمكن أن تصمد تحته الجبال بجبروتها .. لكن النساء العراقيات صمدن .. أو أجبروهن على الصمود أمامه ! رغم أن الصمود نفسه كان ينخر في عظامهن وأرواحهن .. فهن أول الضحايا واخر المستفيدين بعد أن يستفيد الرجال .. بل هن لسن على قائمة المستفيدين .. وليس من المتوقع أن يطالبن بالأستفادة .
مكتوب على المرأة العراقية .. أن تضحي وأن تموت .. وأن تنتحر من أجل خدمة الرجال بأجنداتهم اللاأنسانية. ومكتوب على المرأة العراقية أن تكون حطبا تشتعل من أجله الحروب .. و مكتوب عليهن أن يكن ّمواخيرَ متعةٍ لرجال الحروب .. وأولوية على قائمة انتهاكات رجال الحروب لحقوق الأنسان.
فمنذ أن عوقب صدام حسين على جرائمه ضد النساء .. فأن من حاكمه ومن جلس على كرسيه لم يأبه لما عانته وتعانيه النساء العراقيات ! بل أوضح للعراقيين وللعالم بكل صفاقة أنه يحتقر النساء وبأمكانه أن يدوس على أنسانيتهن باسم الدين ! وهذه بحد ذاتها ستراتيجية لأسكات كل من تسوّل له نفسه أن يناقش موضوع الدين فالمقدس حالة لا تقبل النقاش أو الأعتراض .. بل هو وسيلة سهلة للتعكز عليها ولتنفيذ برامج تبدأ من غسيل الأدمغة وتمر بالجلوس المستديم على كراسي الحكم وتنتهي بخلق طبقة من الباترياركيات الدينية والأقتصادية والأجتماعية.
لو أخذنا بنظر الأعتبار أن الحكومة العراقية ليست معنية بقضايا المرأة على الصعيد السياسي.. فأين هو دور المسلمين الحقيقيين الذين يؤمنون بأن الأسلام عادل وأنه يعطي مساواة للمرأة في الحقوق وأن دين الأسلام هو الدين المثالي الذي يجب على كل المسلمين أن يحموه من هجمات الأعداء الحقيقيين والوهميين ؟ لماذا لايقف المسلمون ضد الممارسات التي تنتهك حق المرأة في أن تعيش دون أن يهاجمها المسلحون والمنافقون الذين يستخدمون الدين شماعة لتعليق أمراضهم النفسية والأجتماعية ؟ لماذا لايقف العراقيون المسلمون وقفة شجاعة ضد استيراد عادات وتقاليد أيرانية للعراق ؟
الصور المرفقة بهذا المقال كانت صدمة للبعض .. لكنها ليست الممارسة الأجرامية الوحيدة التي تحط من قدر النساء وتهيئ لاستقبال موجة جديدة من العنف ضدهن في الشارع والبيت والمدرسة ومكان العمل .. فكيف يسكت المسلمون الأشراف على هذه الممارسات التي تستخدم غطاءا مثل " منظمة مجتمع مدني " لممارساتها التي لايمكن وصفها الا بأنها أجرامية بحق النساء وبحق منظمات المجتمع المدني؟
تساؤلات المجتمع العراقي كثيرة على هذه التقاليد الجديدة الطارئة على مجتمعنا .. لكنها في الحقيقة ليست جديدة على من يفهم أن الوضع السياسي الحالي يسعى الى دمج التقاليد الأجتماعية العراقية بالأيرانية كي يعزز فكرة أن العراق ولاية تابعة الى دولة ايران والى الحوزة في قم.. وأن الحكومة العراقية تحمي بل وتمول مثل هذه المنظمات الأرهابية التي تجبر الشعب العراقي تحت قوة السلاح .. وباسم قوة الدين .. على أن يدخلوا في السرداب المظلم الذي خلقته أيران في الشرق الأوسط وستجبر الكثير من دول الشرق الأوسط على دخوله من خلال اختراق بناها الأجتماعية وأحزاب المعارضة فيها.
المشكلة ليست في لبس نوع معين من الأحذية أو الملابس .. بل هي في عملية الأجبار الذي يتحول الى قانون اجتماعي بعد حين من الأعلان عنه ... تحت يافطات تغرق الشوارع بضجيجها .. والى أداة اقتصاص ممن تسول لها نفسها أن تعلن عصيانها على هذا القانون الوهمي الذي يدخل ضمن الكثير من القوانين الوهمية غير المقرة في دستور أو قران أو حديث نبوي.. والمشكلة هي في التأسيس لنظام اجتماعي غريب علينا وسيفرض علينا أن نتعلم اللغة الفارسية كي نفهم ما تعنيه كلمات مثل " السيغة " التي لم نسمع عنها الا مؤخرا! والمشكلة هي حين تتزايد أعداد القتلى من النساء تحت مغطيات قوانين وهمية اسلامية, رغم أن الأسلام يرفضها حسبما يحاول الكثيرون أقناعنا بأنها بعيدة عن روح الأسلام.
النساء العراقيات يتأهبن اليوم لاستقبال موجة جديدة من العنف الجندري ضدهن .. وحصارا دينيا يتمادى في غيه كي يتساوى في تأثيراته الأجتماعية والنفسية السلبية مع تأثيرات الحصار الأقتصادي. فهل هذا ما يريده الأسلام فعلا؟
بعد حرب الأطاحة بنظام الدكتاتور صدام حسين , ظهرت على الساحة الاف المنظمات التي تدعي أنها منظمات مجتمع مدني .. وكانت بادرة خير تأملنا من خلالها أن تتم معالجة الأمراض الأجتماعية بدراية أكبر وبسرعة أكثر. لكن الحقيقة التي صدمت المجتمع الدولي والعراقي هي أن الكثير من هذه المنظمات نشأت كما تنشأ أية ميليشيا عسكرية مستفيدة من التمويل الحكومي لها لممارسة الأرهاب ضد المجتمع العراقي.. فالقتل بسبب الحجاب , وبسبب سفرات جامعية , وبسبب محلات لا يحلها الأسلام , وبسبب صراعات شخصية واستغلال لا مثيل له في التاريخ , وأغتصابات للنساء بسبب الحروب الطائفية والأقتصادية .. كل هذا صار جزءا من التقاليد العراقية .
وكما لو أن منظمة الكاظمية للمجتمع المدني انتهت من كل أعمالها الخيرية ومن كل اصلاحاتها الأجتماعية ولم يبق لديها هم أكبر من هم الكعب العالي وتصليح الحجاب للمحجبات! طبعا نحن لم نر أي نشاط اخر لمنظمة المجتمع المدني هذه ( لاحظوا كلمة المدني !!) فهم لم يطالبوا بأعادة التيار الكهربائي لكل العراق الذي يتلظى بعدم وجود الكهرباء ويعيش كما تعيش أية منطقة نائية في غابات الأمزون .. ولم يطالبوا بتحسين المناهج كي تكون مدنية وليست طائفية .. ولم يطالبوا بتبليط الشوارع .. ولم يطالبوا بتحسين الأوضاع الأجتماعية .. ولم يبادروا بمشروع لأكساء عري الأطفال الفقراء .. ولم يساعدوا عوائل متعففة يمنعها تعففها من ممارسة العهر السياسي .. ولم يبادروا ببرنامج أعلامي يقرأ قصصا للأطفال بعيدة عن السياسة والدين والطائفة .. ولم يفكروا بأن يبنوا معهدا لتطويرالاستراتيجي للفكر العراقي .. بل استلموا تمويلا لأغراق الشارع العراقي ببوسترات تمنع لبس الحذاء ذي الكعب العالي لأن هذا الحذاء هوما سيوصل النساء الى نار جهنم .. حسبما تشاهدون في الصورة ! أبعد هذا الفراغ من فراغ ؟ هل رأيتم رؤوسا فارغة أو مليئة بالهواء فقط مثل بالون منفوخ ..كما هي هذه الرؤوس في منظمة الكاظمية ؟ وهل رأيتم اعتداءا على مسميات " منظمات المجتمع المدني " مثل هذا الأعتداء؟ وهل رأيتم تأسيسا لثقافة اقصاء النساء وتمهيدا لقتلهن مثل هذا؟
الكثير من النساء المسلمات يتابعن ما يجري من ممارسات وتفسيرات تصل حد الجريمة في الدول الأسلامية بشقيها الشيعي والسني .. وهنا يكشر المتعصبون عن أنيابهم ضدهن متهمين هؤلاء النساء بأنهن خاضعات لأجندات صهيونية وأمريكية وغربية أخرى . فالأجندة السياسية- الدينية لاتريد فقط أن تفرض قوانينها الوهمية.. بل هي تمارس أرهابا فكريا وجسديا ضد من يعترضها! وطبعا لا تفوتكم فرصة أنهم أكثر من يتحدث ويتشدق بكلمات مثل : الديموقراطية , السلام, المحبة! لا أنكر أن الأنترنيت وحتى البحوث المطبوعة تقدم تحليلات لأوضاع المرأة المسلمة في هذه الدول وحتى في دول المهجر .. والبعض من هذه التحليلات يسخر من القوانين الأسلامية المتشددة ضد النساء .. ولكن! لو كان بيتك من حجارة فلا ترمي الناس بحجر! نحن من يقدم الأدلة الدامغة على انتهاكاتنا للمرأة المسلمة التي شاء لها قدرها أن تكون مسلمة .. لأن الدين موروث وليس مكتسب! واكتساب أي دين اخر بعد الأسلام هو ردة .. وعقوبة الردة هي .. القتل! وطبعا كل الأديان لديها قوانينها المميزة ضد النساء فالكاثوليكية المسيحية واليهودية الأصولية لازالت تعتبر المرأة كائنا ثانويا في المجتمع كما يعتبرها الأسلام.
أزاء هذه الأجندات الدينية , فضلت الكثير من الدول المتقدمة فصل الدين عن السياسة وهذا ما أبعدها عن الكثير من وجع الرأس والمشاكل وجعلها تتجه الى ثورة علمية وتكنولوجية في الوقت الذي يمارس المسلم والمسيحي واليهودي ديانتهم في بيوتهم وفي مؤسساتهم الدينية بعيدا عن التدخل في سياسة البلد أو قوانينه.
أما في العراق , فالأجندة الدينية ازدادت شراسة بعد الأطاحة بصدام , وفرضت حصارا فكريا واجتماعيا على المرأة العراقية والمجتمع العراقي , وتمادت في ممارساتها حتى اخترقت منظمات يفترض فيها أن تكون نظيفة وراقية وأنسانية جدا مثل منظمات المجتمع المدني.
رغم أننا نعرف أن الفساد الأداري وصل مداه في مؤسسات الدولة العراقية , ألا أن الحكومة العراقية مطالبة بأن تتقصى مصادر تمويل منظمات مثل منظمة الكاظمية للمجتمع المدني التي صرفت أموالا كثيرة على طبع البوسترات الكبيرة جدا وأغرقت الشوارع بها وخصوصا قرب مقرات الحكومة العراقية وفي نقاط التفتيش الحكومية ( ويعلم الله كم غيرها من المنظمات التي تمارس دور الميليشيا العسكرية لأرهاب النساء و المجتمع العراقي ) وكيف يتم صرف هذا التمويل .. ومن هم المستفيدون من هذا التمويل وما الغاية من برامج مثل هذه المنظمات المشبوهة التي تعتدي على نساء العراق أولا وعلى الأسلام ثانيا.
No comments:
Post a Comment