نحن البصريون .. شعب لا تتعدى همومه مفردات يومية تعني العيش بكرامة في وطن يحميه أبناؤه .. ويبنيه أبناؤه .. ولايحلم فيه الناس الا بالعيش المستور . . نحن البصريون الذين امتلأت شراييننا بعبق شط العرب وقراءة الشعر وتداول الكتب الممنوعة .. والمحبة والطيبة والكرم .. لا نتطلع الى أن نصل المريخ.
وآآخ .. ياطيبة البصرة !! هي التاريخ والمجد للأنسان .. لكن هذه الطيبة فتحت علينا أبواب الأستغلال بأبشع صوره .. فشهرت الذئاب أنيابها ناهشة فينا ..ومن يعي قيمة الأنسان يفهمنا .. ومن عاش في المزابل استغلنا.
البصــــــــرة.. عروس العراق التي يغتالها الأوغاد ألف مرة في العام .. ويغتصبها قطاع الطرق ألف مرة في اليوم .. ويدوس على رؤوس أهلها الاف السماسرة وتجار السياسة والأفاكون والزنادقة والمتاجرون بالجنس الرخيص والسلاح والأيديولوجيات الدينية كل يوم.. تخرج البصرة مجللة بالحزن والغضب حاملة نعش الأنسانية على أكتاف رجالها .. بين دموع المحبين وقهقهات قياداتهم السخيفة.
لم أشهد سخفا في تاريخ العالم كما شاهدته في السياسة العراقية الحالية .. وكما نشاهده من استصغارهم للشعب العراقي البصري.. واحتقارهم لحاجاته الأنسانية المرحلية والمستديمة ضمن عمليات التنمية المزعومة . . ولم أجد حكومة يديرها الأميون والأفاكون في أية دولة في العالم .. وأن كانت دولة أفريقية لا موقع لها على الخريطة كدولة بيافرا, مثلما رأيته في العراق.
البصـــــرة .. التي حملت الشعر والأدب والفن والأخلاق والصدق ونخوة العراقي للعراق .. يتعكز على الامها المهرجون وتجار الحشيشة والغيبيات والامال بعيدة المدى .. الذين ينتصرون لكل تاريخهم الأسود المشين .. لكنهم – مع هذا - يتغاضون عن البصرة .. وعن الام شعبها .. وعن جمالها الذي تآكل وترك خلفه يبابا يشبه الموت !
البصرة تموركتنور يغلي بفعل الحروب وصراعات الديكتاتوريات والجشع والنهم الى التهام اخر قطرة من نفط البصرة .. والى مضغ اخر كبد من أكباد أطفال البصرة .. والى اخر تمرة من نخيل البصرة .. من أجل افتتاح جوامع لا تجد مصلين فيها .. وحسينيات لاتجد من يلطم فيها .. وقصور يموت اصحابها في لحظة افتتاحها .
أقول لكم .. البصرة تلعن ظالميها وتلعن المنافقين الذين خدعوها في حفل عرسهم على العراق ..وعلى ثروات العراق .. وفي اغتصابهم للحظات الفرح الموعود .. وفي نظرتهم الفوقية لأهالي البصرة.. ليس لعيب فيهم بل لأنهم ليسوا من حملة الدم الأزرق الذي يحمله كهنة المعبد السياسي في قم والنجف.
هنا البصرة.. أول من أشعل الأنتفاضة في شعبان ... وأول من قاوم الأحتلال في أم قصر .. وأكثر من قاوم تفريس البصرة وتحويلها الى مقاطعة أيرانية ..وأول من وقف بوجه القوات البريطانية .. هذه المدينة نزعت عنها ثوب عرسها في حرب ايران واجتياح الكويت وحرب الصدمة والرعب ..وعاشت الدمار والأحزان واستنشقت سموم اليورانيوم وروائح الجثث المتعفنة في طرقاتها .. لكنها بقيت المدينة المنسية منذ أن حلت قوافل السخفاء الذين يعتقدون أنهم سياسيون .. واللصوص الذين صورت لهم أحلامهم المريضة أنهم رجال دين .. والتجار الذين تاجروا بالعراق والمرأة العراقية والطفل العراقي قبل أن يتاجروا بالبصرة .
هنا البصرة .. نراقب توزيع الثروات العراقية على بناء مطارات وأسواق عصرية ومجمعات سياحية وشوارع وجسور وقصور وحسينيات ومساجد في النجف وكربلاء .. ونراقب الدمار الشامل الذي حل ّ على البصرة .. والخراب والفساد الذي لم يسبقه فساد في العالم كله .. والتلاعب والصراع على السلطة .. على أغتصاب اخر ما تبقى للبصرة من روح يمكن أن يقال عنها أنها بصرية
الحكومة المنتخبة .. التي استمرت بخداع الشعب العراقي تحت غطاء الدين والطائفة .. وادعت زورا وبهتانا بمختلف الأكاذيب .. واشغلت الناس باللطم والنواح على إمام سيظهر لأنقاذهم من براثن جوقات الأميين المتاجرين بالدين .. و غسلت أدمغتهم بحفنة من الفتاوى تحت غطاء القدسية والنسب الرفيع والأجداد الشرفاء!
البصرة تمور وتفور كتنور .. ليس فقط بسبب الجو اللاهب وغياب الخدمات والكهرباء .. بل لأن المدينة تفهم وتعي أنها لاتجد معاملة مساوية للمدن المقدسة التي يسكنها الساسة ورجال الدين .. هؤلاء الذين صنعوا من النجف عاصمة للعراق .. وأهملوا المدن الجنوبية التي تسكنها الأغلبية التي صوتت لهم وأجلستهم على كراسي ماكانوا ليحلموا بها.
النظرة المتعالية لرجال الحوزة على ابناء الشيعة تعلن وجهها القبيح منذ أن تولى رجالها زمام الأمور في حكم العراق .. وهذا ما يفهمه البصريون وما أعلنته صرختهم الفاجعة في الأيام الأخيرة !
من يحكم البصرة ؟ ومن يدير البصرة ؟ ومن يخدم البصرة ؟
هذه المدينة التي يتخرج من جامعاتها الاف الطلبة في كل عام .. مدينة الشعراء الأفذاذ والأدباء والعلماء .. يحكمها الأميون تحت غطاء القوائم الأنتخابية .. وتحت مسميات الديمقراطية .. فما الجديد الذي جاءت به الحكومة الحالية ؟ المدينة لازالت مهملة حد الأشمئزاز ولازالت السكين تنخر في احشائها كي تنقض على اخر جنين ٍ للشعر والحب والطيبة والثقافة فيها.. ولازال اللصوص ينعمون بخير العراق بينما مدينة الخير تعيش في أوار الفقر والتهميش وغياب الخدمات العامة والشوارع المحفورة بألم الحروب والسواقي المتعفنة بجثث ابناءها والأنهار المنسية والتراب الملوث باليورانيوم المنضب .
لازالت البصرة منسية في تخطيطات الدولة للتنمية .. ولازالت الحكومة تنظر لأهل البصرة على أنهم شعب من الدرجة العاشرة .. لا يستحق الأحترام ولا الرحمة ..لأنه شعب مضمون الحضور والتصويت لهم في الأنتخابات القادمة والتي تليها ومابعدها ...ولألف عام أخرى.
ولأن شعب البصرة طيب وأصيل فهناك من يعتقد أنه شعب ساذج .. وطيع الى حد لا تصعب قيادته .. ومنصاع لأوامر الدولة في كل زمان ومكان.. ولأنه شعب لا يعرف أن يقول : لا! فمن السهل الركوب على أكتاف ابناءه .. لكنه قالها مرات ومرات .. ووقف كما لم تقف أية مدينة أخرى .. (هنا البصرة.. سواتر نار واليعبر علينه نكًصر بعمره)[1]
ألا سحقا لكم أيها القادة السياسيون .. إن كان الأنسان لايعنيكم بأنسانيته! وسحقا لكم إن كان العراق لايعنيكم الا فيما يتعلق بمدنكم الدينية المقدسة ! ولقد كفرتمونا بكم وبدينكم! فلا المهدي سيظهر ليحمي أهل البصرة .. ولا الحسين سيشهر سيفه دفاعا عن ضحايا مدينته المقدسة .. التي هي أكثر قدسية من مدنكم التجارية!
هل تنتظرون منا أن نتوسلكم كي تقرروا للبصرة حصة من أموالها؟ هل تنتظرون منا أن نجاملكم في سياستكم التي أهملت مدينتنا؟ هل تنتظرون أن نجلس في المحافل الدولية للأشادة بديمقراطيتكم المزعومة ؟ هل تنتظرون أن نمارس طقوسا دينية لا تسمن من جوع ولا تغني من فقر؟ مالذي تنتظرونه من البصرة وأهل البصرة؟
حين اقتسمتم الغنائم .. فالبصرة ليست على قائمة أولوياتكم .. وحين خططتم لأدامة حكمكم فالعراق ليس على لائحة خططكم .. وحين خلقتم آلهة للعهد ا لجديد فأن الأنسان العراقي ليس الا حطبا تشعلونه حين ترغبون.
مفجعة هي الأخبار عن العراق .. ومؤسف هو الحال في البصرة! ومارأيناه في الأيام الأخيرة ليس تظاهرة عادية .. بل هو صرخة الضمير البصري ليعلن عن ضيمه وعن فشل الحكومة العراقية في الأستجابة لحاجات الأنسان البسيطة في أن .. يعيش!
ولذا ..فعهد علينا أن نبقى صوت العراق و البصرة في خارج العراق .. أن نوصل أصوات اهلها الطيبين الى كل المحافل الدولية وأن نفضح لصوصية اللصوص .. وأن نثأر لمدينتنا التي عمرها التاريخ والرقي والأدب والثروة النفطية وعبق المحبة وطيبة البصريين.
awatefrasheed@yahoo.ca
No comments:
Post a Comment